الخميس، 24 يوليو 2008

ما أجمل الورق

ما أجمل الورق
أفركُ به أصابعي
لتحيا
أجوْدُ بما تجْودُ به
من عبق
من شذى الورق
هذا النشيد أُعاني من ترَدُّده
هذا النشيج أغان تدور
على أغان
ما أحلى الورق
جنودٌ لنا تحيا هنا
ما بين جنبيَّ والسطور
ندىً يُذكرني بالعبور
ما بين جسدي
وجسدي
حُمّى تُحمِّلني
معاني المجد والعسجد
ما أنقى الورق.

هذي العيون

لها مِن عيوني غِطاءٌ هذي العيون
لها من التسبيحِ نصيب
تُصيبُ بها من تشاء
ويَبتلي
فنِعمَ الوباءُ المُصيبُ

هذي العيون لها مَحاورُ
مِنِّي
لها مَغاورُ
في عُمقِ الجبل
أجناباً لي ما برحتْ تُقاوم
هذي الأواصِر
إني مُحاصَرٌ
باللَّحظِ
بالأسود

هذي العيون نِعمَ اللَّهب
نِعمَ الحرائِق
تشتكي منها البَرايا
كم من شظايا مازَجَتْ جسدي
كم من طَرائِقَ حرَّرَتْ
فيها مسالِكاً
هذي العيون
كانت ممالِكاً من قبلُ
واندثرَتْ

لها من كِبرياء الجسد ما قامَتْ مآذن
لها من نوارسِ الصيدِ ما جابَتْ حُقولْ
فيم تزرعُ الياقوتَ في شفةٍ
وهذي العيون منك نَواظِر
حار الظنُّ فيما تقول.

الأنثى

الأنثى
هذا النمر الأسود
هذي الحمى
نبضات من موج أسود
أحمر أو أسود
لا أدري

الأنثى
هذا النصف الكامن خلف القمر
نصف آخر للقمر
وأنا آخر
لمّا تراءى نصف لنصف
كيف تراها

الأنثى تسيطر
أحرفها تسطر هذا الورق
تسقط منه الثنايا
كم من برايا مارست الغرق
في دمع الأنثى

هي حرف الضاد في لغتي
ريح الورد
داء الوُدِّ القديم بيني والسحاب
كل هذا الغِياب
عني
واللُّقيا بين نافذتين من مرمر
لا تستقبلان رسائلي
لا تستعملان الزجاج
هذا الهِياج في كل الفصول
حين تقول الشقائق للغصون
بادِلي
نبعاً بنهد
فيغزو المزاج المُرّ ترابَ أرضي
بعد الأفول
وتزول الحقائق

كلُّ الحرائق مصدَرُها أنثى
كل المِحَن
كُلي يثور على كلِّي لِمَقصِدِها عريني كي أجورَ على الثوابت
أنْثَنِي
لك ما جمَعْتُ من مرايا تُفصِّلُني
ما ضَلَّ عني ما عرَّضتُ من دمي
لِثأرِ الأنثى

كان السلام وثم الهيام أمام القمر
زال الغرام وذاب الكلام وطال السفر

الأنثى معي
تقود بداخلي ناقوس الخطر
تشرف على وقع الخطى
وتستأثر
بالذنب قبلي
تجمع الشظايا وتحضنها
تغري البرق وتنزل المطر

يا من تكون أنثى
كوني تلك التي مازجت جسدي بليلتها
حين حاولت الأرق
فانفجرت عشرون عينا بلؤلئها
وانسجرت
لما يحين العويل موعدها
بعد الغسق

أنثاي . . أنثى تراك ؟
هاج البحر يوما من بعد الصهيل ..
الذي من بعد العناق ..
الذي من بعد الصخب ..
الذي من بعد الهروب ..
الذي من بعد المغيب
من عساك هذا التهليل منك يرغب ؟!
من أراك من داخلي يشرب ؟
من هذا اللهب !

ويلي من الأنثى
تنظر إلي وتتأمل
ترنو لشيء في عيني
في صميمي
تقفو المواضع من حولي
تلفني وتهاجر
طيف مني يهجرني ..
يأسرني ..
ويغادر

الأنثى أنثاي دوما
دون النوم النيء
وفوق المتوهج
قبل البوح الفطري
وبعد المتأجج
بين رحيل الأقدام
وهتاف المتفرج

هذا الغناء منها ولها
هذا العناء لها
وكل البناء
كم من سماء أهدت سنا
لها
وسناء

يا أنثى حروفك متعبة
وفمي يتعلم التقبيل من هاتيك الحروف
لم يعد بعد من رحلة الأجوبة
ما بين ضيق الشباك وطول الصفوف
معذب في النطق من حينها
وفي جني القطوف

الأنثى تعدل
بيتي ومبسمي وجبيني
وسماء سمائي
أبد الدهر عريني وعنبري
منبري هنا وهناك
وحولي محوري
شتائي وصيفي
وتطريز كم القميص بالسوسن الوردي
كم من شتاء لا يستحب فيه الرقص في الساحات .. اعتنقتك
كم من بلاء لا يستحب فيه الغناء في الطرقات .. التحفتك
واجترأت على المياسم علمتها نظمي ونزعي من الثالوث المقدس بعدما
أدنيت منها عصا موسى ورداء فالنتين
فالتجأت إلى رصيف بيتي
تغزل الورد وتجني الياسمين

هذي الأنثى ثناء الطبيعة على الثنيات من صخور في قلب الجبل
غثاء الجداول في بلاد مواردها قوت القلوب من قمح وعسجد
غناء الدوالي عبر السنابل
ما أحلاها وطن .

عذرية قصيدة

عُذريَّة هذه القصيدة
كانت عزيزة
إطلالتُها يومَ أتَتْ
طغَتْ
على الورق
على الأحبار يومَ ازدادَتْ عبقاً
نورٌ وهّاجٌ في قلب القصيدة
كوكبٌ درِّيٌّ
في الصميم التصق
انبثقَ من الكامِنِ
وكسا الأشياءَ بالأزرق

أرنو إلى القديم في الثَّوب المُوَشَّى
وأرجعُ إلى الطِّيب
يومَ امتلأَتْ عينايَ بِها
حين تَرى الأبيضَ الشفافَ يرجحُ في الكفة
دونَ الذهب
توجَّعتُ من صوتِ الكعوب
رنَّاتٍ مِن نحاسٍ
صَيَّرتْ الدروبَ خيطاً واحداً إليها
حاكتْ الأشرعةُ به كفِّي
وسِرتُ على الورق

لا تقدِرون على شيءٍ
لا تَعونَ معنى الأبيض
نبضٌ تداخلَ معي
ورأيتُني في قلبي مُشرَّد
كلُّ تلك الأسوار لا تُرى
امتزاجٌ وانتظارٌ وانتحارٌ في الزجاج
ويا ليتني أتمزَّق
دونَ الركوعِ للمشهد اللّيليِّ في انطِباقِ الجفون
أو لزهرِ الشَّفَق.

ليست بأرضي

أرضي الجميلة
وليست بأرضي
مبنيةٌ على الحزن
إذ كلُّ حزن بيننا جميل
وكل جميل مُبكي

بكُم معي حملتُ لقلبي آلاف الهدايا من قلبكم
وزيَّنتُ بيتي بحماماتكم البيضاء
واطلعتُ على النور الكامن في مربع الروح

الأرض منكم وإليكم
وأنتم لها أبناء
وأنا كالبحر فيكم أرسمُ حدودكم
أحتلُّ منكم ومن أراضٍ حولكم مساحاتي الشاسعة
لا أعرف المكان إلا مكاني
ولا أقدِر على الارتباط إلا بي
صحيح أن شمسي وشمسَكم واحدة
إلا أنها تأتيني في المساء.

من مكاني

من مكاني أرى الأرض
وأرى السحاب
وأدرك أن بينهما قامتي
عودَ ثقاب
يبحث عن جبين يعكسه بصفحة النبع
حتى...
يرى قبحي.

الفارق الرفيع

سائِراً كُنتُ حينَها
أَتَقَلَّبُ بين السُّطور
أنامُ أياماً على الهامِشِ
وألتَحِفُ السّماء
أرنو لنَجمَتين في الأعالي
وأتكلَّم
لا أدري كيف لمستُكِ حينما
أمعنْتُ النَّظرَ في داخلي
ووجَدْتُ حنيناً إلى الفجر
ذلك الفارقُ الرَّفيعُ بين خُصلات الشَّرق والغرب
بين حدودِ أُغنِيَتي وألحانِ العندليب
أضواءُ العرباتِ توقِظُني عندما أَحْلُم
وترسُمُ سهمَ الجنوبِ نحوَ مدينتي

ترسُبُ في قاعِ عينيكِ كَرَزتان سوداوَتان
هُما كُلُّ أحلامي
ودَفاتِري أَلقَيْتُها في النار لإِشعالِ القناديل التي
تبكي في السُّجود معي

أنا بين الأحراشِ هنا وحدي
والظِّلالُ
أُناجيكِ
وأَبعَثُني مع النّور لعينيك
والريحِ
في هذا الليل
أرسُمُ الفارِقَ الرَّفيعَ بين الليلِ والليل
نِهايتي ونِهايتي
بإِصبعٍ على الرَّصيف
ولا أرى
حتى تأتي أضواءُ العربات
وَحْدي
وتوقِظُني

هذا الحنينُ إلى الفجر معي
لا يَبْرَح
يرسُبُ في قاعِ عَيْنَيَّ
موجَتان
وأبكي
هذا الفارِقُ الرَّفيعُ بين الدَّمع والمطر
بين أغنِيَتي والشِّتاء
لا أدري كيف لمسْتُكِ حينَما أمعَنْتُ النظر
في داخلي
ووجدتُ مدينَتي.

إلى الآن

إلى الآن لم أجد سطري المفقود
أجري على الورق
ولمّا صدراً أو ظهراً أجِد
أو موطئ قبلي
ذابت غشاوةٌ
وتخلَّلتني
عيناي تمضي للبعيد

ما دمتَ بعد هنا
إذن لا آثار خطوات في البعيد
ولا مومياء
ما زلتَ بعد هنا
إذن لا آثار خطوات في البعيد
ولا مومياء

ذنبي أني هنا
والذنب موجِبُ العقاب
عقابي أني هنا
والعقاب بلا ذنب
خطوتُ حينا
عندما
كنت أخطو
فباركَتْني الذنوب

هذا التجعيد أصبح غائراً
حاداًّ
يفسَخُ ذاكرتي كالأخدود
أكتبُ به على الصخر
فَيَلين

ميلين وتبلغُ الأفق
كم من أفقٍ بلغْتَ
تناضلُ خيطَ الحذاء!

رماد البندقية

لعلّي الآن أملكُ بندقية
رضَخْنا للذل وقيَّدَتْنا
جنودُ العارِ للعار
مشيئةُ الله فوق كل اعتبار

أَمَا آنَ لليلِ أنْ ينْجَلي
أو القيدِ أن ينكسرْ ..؟

مارقٌ أنا الآن
صابئٌ
آبقٌ
أين المكان مِنّي .. يا أرضُ يا شجر
يا رمالُ تدُكُّ نُعولَ أقدامِنا في انتظارك
يا دموعُ تكفيكَ ماءً في حِصارك

متى الوقتُ آنَ
قُلْ
أو فانتظرْ .. ها قد خَرَجنا
أطفأنا نارَ الحُلْمِ في السُّبات
وقَفَّينا بنور الحُكمِ في البَيات
مُبارك
ها قد خرجنا

يا ورقُ .. يا سطور
يا حمىًّ تُمازِجُني
يا نسور
كفاكُمْ تَبْصُقون على الكلام
معاليكُم
تُلصِقون العبارات على الإشارات
تريدون السّلام !!
أنتم تصنعون عِلتَكُم
وتَحتَجِبون

يا أيها المقاتل
قُمْ فقاتل .. ثم قُم فقاتلْ
أجهَدْتَنا
نراك تموتُ في كل يومٍ
ولا تموت

ما تُراك فاعلا ؟
تكتبُ فيكتبون
تصرخُ فيصرخون
تبكي فيجهشون
تمضي ويمضون
.. من قبلك ماضون

شعاعُ التاريخ يخبرني
ذهبِيٌّ ماضيك
عرينُك ثابت
جَدِّي يُبْقيني في التابوت
يُعلّمني
من حفر حفرة لأخيه وقع فيها
فضِّل غيرك على نفسك
صلِّ
اصبر على ما أصابك
ابكِ أو تباكى واستغفر
افشِ السلام ولا تستأثر
...
جدِّي مريضٌ بالماضي

قُلوبُنا غُلْف
نعوذ بالله من صَحوِ الضّمير

الحد الفاصل

الوهم
هذا العقل الساحر
صوت القلم
تكُّ العقرب
دبيب النمل الماهر
هذا الحد الفاصل
بين النوم والنسيان
بين الضحكة وصوت القنبلة
فتيلك شاعل
وقلبي ينبض

أجراس هنا وهنالك
قبل الحدث وبعده
سيف مجرَّد
هل أستطيع الرجوع لما قبل الخطوة الأولى ؟
وأرفع حبات الرمل للأفق الأول ؟
خطوي كان متزنا
والحبل أهوجا
صار الركب أعوجا
ثنى الأشياء كلها حتى
حالني هودجا

هذا الركب خاصرتي
مثل الحزام
يضمُّني
ويعود أخرى يضمني
لم أعد أراه
أخرى
بات آخر

ليلتي الأولى أعادتني
إليها ؟
إليّ ؟
أم تراه إليّ آخر ؟

هذا السطر الأخير
تلك النقطة الأخيرة.

أيامُ السَّفَر

أطوفُ وأحترفُ السَّفر
حتى غابتْ نَوارِسي
وجَبيني غابَ عنه الجَبين
أشدو حتى الغَرَق
أحترِفُ نفسي
ولا أَخرُج
بُؤرةُ الضوء تُبقيني بِلا مَخرَج
ولا أدري
إِلامَ النَّهرُ يَجرِفُني

كلُّ هذه الألوان تحت النهر
وفوق النهر
وهذي الريحُ تحت الأزرق
مَوجٌ مِن تَحته مَوجٌ مِن ذُهول
وأصواتُ الحَوافر وكُؤوسُ العيد
تُسمِعُني النَّشيد
كُلُّنا سَنُمزَجُ بترابِ الأرض
ونُقَبِّل التابوت
كُلُّنا سَنَدخُلُ الطاحونَ مع الرِّمال
والزُّجاجات الفارِغة

بُشرى
غَداً تفتَحُ المَلاهي أبوابَها
مَلاهٍ تَزورُ مَلاهٍ
لتمزجَ الوقتَ الواهيَ مع العسل
وأعوادِ المصّاصات
والتُروسُ تسبِقُ الطَّواحين
ومضغُ التَّبغِ مع الياسمين
والتفاتاتُ الرُّؤوسِ كالرَّعدِ للأحمر

غَداً وكلَّ غد
أركبُ نفسي لِنَفسِها
أعدو
وأصرُخُ في الطريق
لا تسمَعُني من صوتِ حَوافري
من صوتِ عَقارِبِ السّاعات تعدو وَرائي
من صوتِ الألوانِ حولي
تمزِجُني
ولا تُبالي
أقطَعُ الحبلَ وأمضي للأسود
أمتَصُّ صمتَ العالمِ ولا أُبالي

غَداً وكلَّ غد
تفتَحُ قرصَ الشمس وتعبُرُ خِلالي
تجتاحُني ولا تدري
بأنّي علقتُ بطرفِ الثَّوب
برُكنِ السَّرج
بالحافر
وتوَزَّعتُ بين سَنابِلي وسَنابِلي
دوحاتِ تُراب

تُريدُ دوراً آخَرَ ؟
فلتأخُذْ مكانَكَ من السُّلطة
ولتَتَكَرَّرْ
غنّي لِوَحلِ الليلِ البعيدِ وكَرِّر
وبلِّغ ذَرّاتِ التُّرابِ أنَّك لها
كُلَّ يومٍ
مِروحَةً وخِنجر
يقولون
بلدَتُك قَدِمَتْ إليكَ تَعَطُّفاً
فأَلقِ ما في يمينِكَ تلقَفْ رِضاها
بَلِّغْها في نومِك بحياتِها فيكَ
وبأنَّ مَوتَك أَوْلى لها
وتجرَّدْ من سُتراتِ الحياة
وقِفْ على أَطرافِ أَطرافِك
واشهَدْ لها بمجدِ الأَزَل

أمْ تَرَى أن تصعَدَ فوق المدى
وتَرحَل
تُغني للجُموع
كُلَّما ضِقْتَ بي ذَرْعاً
وكُلّما
ضِقْتُ أنا
أسمِعني صوتَك إذن
أسمِعني لَوْنَك في عَينيَّ
أَعْمِني
متى أردْتَ أنْ تقولَ لا
ولا تمضي في ذاكِرَتي
وفي الرِّمال

هذي الرِّمالُ تَشَكَّلَتْ على شاكِلَتي
وماتَتْ
جماعاتٍ على الرَّصيف
يموجُ الرصيفُ برَملِ الكُهوفِ وأصحابِ الدِّيارِ الضارِبات
في ضيقِ المعاني المُتَرادِفات
جُموعٍ مِن بِلى
وصَريرُ الأعناقِ بعدَ التَّثاؤُبِ والتَّمَنّي
ونبتُ الشَّوكِ في أطرافِ الماضي النابضاتِ بالحياة
مِن نُقَطِ المطر
شُموسٌ مِن النُّجومِ فوق الرُّؤوسِ ولا تُبالي
من اختمارِ العَرَق
ومَدُّ الظلِّ لم يعُدْ يميلُ كما بالأمسِ كان
وفي الليالي الآنَ مجونُ الفِضَّةِ
وزَنْيٌ بالأَرَق
أشباحٌ بطولِ النَّخيلِ في ذاكِرَتي
ورُؤوسٌ من غول
تمشي في الجُحورِ سَحاباتُ الظلِّ تستَرِقُ السَّمع
مِن بعدِ الضُّحى
- ما أحلى النَّهار !
- ما أجملَ الشمسَ وقتَ السَّحَر !

ليلي في جَبينِ هؤلاء
في افتِراسِ البومِ للطُرُقات
في طَرْدِ الناطحاتِ لِغَيمِ المطر
وبيتي
لحنُ أوراقِ الشجر
أنغامٌ من العندليب في شُقوقِ الجِدارِ تمضي
كيف يكونُ لونُ المغيب دافِئاً
ولا يطبَعُ بيتي بِلونِ الزَّهر
هذا النهرُ لم يأتِ إلينا مُرغَماً
هذي البِلادُ لم أَسْقِها بِدَمي
كيف يَطغى النَّاموس
والكائناتُ يموجون بِشُرب النهر

يا سفينةَ الدُّرِّ
يا شجرةَ النارَنْج
أين أنت ؟
دوماً في حَيِّنا ولا نراك
ريحُكِ الشَّفافُ فوق الريحِ يأتي
سَحابات
ويسري في الأنابيب وفي الزِّراعات
يَلُفُّنا
يَضُمُّنا
يَبيعُنا نبضاً جديداً
وابتسامات
يملأُ الجِفانَ مِداداً ويمضي
يسري في الجُفونِ للأبيض.

الأنا

يا هذا الأنا في داخلي
لا تقُم
تعبأُ بما يجري
ويجري
خلِّ عني آهاتِك
واستفحلْ
جِذري بأرضك يعصِر
جِذري
ويعصر جذرَك

هذا اليقين يموت غدا
ويُخْلِف وَغْدا
أُمنّي نفسي
بُعداً
لنفسي وكأسي

هذي النُّمور تُريد أرضي
هذي الشّهور
تَمورُ دَهرا
لعلّي أموت.

أصحابُ الأَلف والباء

وكمْ تساءلتُ كيف يُبدعُ أصحابُ نَفْسِ أَلِفي والباء
يلعَقونَ بألسِنتِهِم رِمالَ طُفولَتِهم
ويشُقُّون طريقَهم بين حُبَيْباتِها
يُزيحون سِتارَ ما قاله الأجدادُ للأحفاد
قُلوبُهم مَشَتْ قديماً تحت مواطِئِهم
وأعيُنُهُم عَلَتْ عَمّا رأَوْا مِن قبلُ
وتَعَرَّفَتْ عليهِم الشمسُ مِن بين مطرِ بَحرِها الذي
امتصَّتْهُ من آلافِ السنين

يجودون بِقَريحَتِك يومَ تَطَأُ هذه الأرض
ويُرينَكَ طُحلُبَ البحرِ على ألسنتِهِم
وشفقَ السماء برُدْهاتِهِم
حتى تركبَ الموجَ من عَرَقِ ألسِنَةٍ إلى نقعِ البراميل

يمدون أطرافَهم على خليجٍ مِن ماءِ نُهودٍ يرْعَوْنَها
ويروْنَ ما في عُيونٍ سَبَقَتْهُم من أفراحٍ
وتَرَقُّبُها عند طرفِ السرير
يوم هجمَ التِّنينُ على الصَّياد صالح
يوم كان ما كان مِن الأميرةِ في قصرِ الحاكم
والخيرُ انتصر
يَزفّونَ بُشرى مولِدِ ضفيرَتِهِم الجميلةِ على نَفْسِ
الشمس والقمر
ويزرعون مآذِنَهم الصغيرةَ في مَراتِعِهم
كُلما نَقَصوا ضِلعا

تفتَحُ بيدِكَ ستائِرَ الغد
وتتَغَذّى بِقُوْتِهم
أحرُفُكَ لا تنفدُ من الصَّوان
لا تُجادِل
كانوا ينحِتون الصَّخرَ بالواد ويزرعون الصَّندلَ بعدَما
يقطُفون الليلَ من النُّجوم
ويفتَرِشونَ الموائِدَ يُفطِرونَ من حُروفِهم
ومِن كلماتِ العيد
أحرُفُكَ انثَنَتْ ثم انقلبَتْ ثم انغرزَتْ
وضاعَتْ بعدَما صدأتْ
سكنَتْ في الأبعاد فلا تغادر
وسكنْتَ معها بعد حين.

أراها

أراها كلَّ يومٍ
يا رَبُّ إلى متى
دوماً أراها ؟
في رُباها النُّورُ والسّنا
في ضِياها الملكوت
إلى متى
مِنّي السُّكوت
يُبادِرُني
لماّ أراها
مِنّي البُكاءُ يَسّاقَطُ في داخلي
بَرَداً من حَميمٍ في الضُّحى
في ثوبِ الكَلام
حتى يعلو النّشيجُ
في التابوتِ
في الجُبِّ العميق
يا ربّ إلى متى ..؟
أراها
كلَّ يومٍ
في التَصَفُّحِ في الزَّبَد
في القُنوتِ ما بين يومٍ وغد
في صلاة الأشياءِ دوماً أراها
في البيتِ العتيق
يا رَبُّ متى
يوماً
يجادِلُني الطريق
حتى
يُنازِلُني بالخَطَواتِ والخَطَرات
يَرميني في الحريق.

مجزرة

وقعت المجزرة
بُنيَتْ مقبرة
بين الحوافر خلف البيوت
علَت الأصوات فوق الحنجرة
وطغى السكوت
ضمَّ اللُّهاث إلى التابوت
جماجم
كانت تصرخ في الملكوت
تُهاجم
تحت فُلول الجسد
بين الشواهد تبكي الظلال
وتبقى الموائد مُقفرة

وقعت المجزرة
في العرين بين عاريتين
طارت قُبّرة
اتخذتُ الشاهدَ علماً
قرضتُ الشعرَ دماً
مرغتُ جسدي مداداً
فؤادي سنام
نفسي قلم.

تحت شفاهنا لهب

مادامت البطون تُنجب
دوماً ودوماً
مادام اللحمُ يلتهمُ الموائد
كيف تكفُّ العيونُ عن الصحاف
بمدِّ الطريق
ولا
تلفُّ الأصابعُ حول الجسد

ما بين يومٍ وغد
تُمْلأ الشوارعُ بالعرايا
والزحام الوليد بين المراصد أكوامٌ من مرايا
حولَ أكوام
تَرى الذُّباب عند المسام
يغرف العسل
ونحن أقوام من العَبَل
نَقْفو اليَباب
وفي المواقد
نجتَزُّ الثياب
ونجتَرُّ الوَلَد

مادامت البطون تُنجب
يوماً ويوماً
نفسَ الملامح
نفسَ الوميض
نفسَ العيون ونفسَ الجفون
ويستوي
فينا نفْسُ المجون
ويشتوي
القلبُ الحنون
فالفحمُ يشتهي الشَّرر
يغرف أطنان البشر
كلَّ ليلٍ في الرغيف
فوق أشلاء الرصيف
بين البشر

نملأُ الكون صراخاً أو نحيباً
بعد الخروج
في أكفِّنا الماضي الرهيب
وتحت شفاهِنا لهب
أسمالُنا أسلافُنا
من الدرِّ الرخيص
وسماؤنا تولَّت فما من بصيصٍ
حتى من الذّهب
يا كلَّ أوهام الحروف
ذرينا ننتَحب.

ماتت

قطعوها
وحضنَتْ ظِلَّها
قطعوها
ونامتْ على الأرض
فتحتْ ذراعَيْها وقالت خُذوني
واستغنت عن الأرض
نزعوها من الظلّ
طردوها من التُّراب
قتلوا الظلَّ بعدَ المكان
وجرُّوهُ بعيدا


قالت لو كنتَ حبيباً فلْتَدَعْني
ولتمضِ للأرض
لا تترك الأغصانَ تذوي
وأسرابَ الطيور
خجلَتْ السماءُ وتغطّت بالغيوم
ولكن
بعدما حضنتْ ظلَّها
حارت النظراتُ أين تسرَحُ
وإلام تجول
وحار العصافير بَعدَها
كيف يكون الشَّدوُ
على حبال الغسيل!

قُلتُ ما هي بأرض
أين الفراشاتُ التي على..
أين الزهورُ في..
أين الجنانُ بين..
أين الشجر ؟

قطعوها
من الشجر
نَفَضوها عن أبكارها
سَلَخوها من الرصيف
سحبوا السجادَ من تحتها
وحرَقوه بعيدا

برَدَت الأرض من ظلالهم
ولم تقُمْ فيها
مدينتي
زرعوا فيها الشوكَ
فجفَّتْ حُروف أغنيتي
بعثروها على تلِّ الحقيقة البعيد
...ماتت

فلسطين


فلسطينَهُ
لا نعرفها
تهونُ علينا
ويهون
من يكون ؟
شهيداً جديداً
يُقال
نفديك حتى نموت
جلوساً ومنا الرقود
ونفخر عمراً مديداً
بأن لدينا مزيداً

فلسطينَهُ
لا تعرفنا
تسمعُ ما يقال
وتبكي حزينة
نحبُّ المدينة ؟!
نحبُّ النضال ؟!
ونرفع أكفَّ المرض العضال

فلسطينُ هناك
فلسطينُ هنا
صداعٌ شديد.

أصابعي

في هذا العشّ أرى الأصابع
معاً
والحريق
يسري بجانبي الطريق
حولي
والمدى ما له آخر
أصابعي تسير معي
بجانبي
في راحتَيَّ
في التّصافُح
في السَّلام
بِجَيْبي
في جيبي أصابع
لي
وجيبي معي

في الآخر هناك
بعدما
تنتهي الأشياء
أراها
في الثَّبات
في انتباهةِ الأشياء
في صمت الشجر
أَنحني لها وأُغادِر

أصابعي معي الآن
وحينها
بِـها
كم قَلَّبتُ الدفاتر
وتركتُ من الدوائر
حولي
كم أشعلتُ الكبريت
منها
واشتعلتْ منّي
وطار الحمام
كم غنَّتْ لي والطيورُ نيام

ضاقت الدوائرُ على الماء
وسجنتْ إصبعاً
فاحترق الماء
وحار المصلون أين يكون الرحيل
لأيّ دار في بئر مَنْ
من دوائرنا

صارت أصابعي اثنتين
وصرتُ لهما عبداً
أنثني لأكتبَ بإحديهما
ليحترقَ الماءُ حولي
وتمضي الدوائر منّي
والقرون المضت ثمان

حولي المحيطُ يكمُنُ لا أراه
حولي أصابعي تسير
تزحف نحو المدينة
تأكُلُني وتتآكل
في كلِّ يومٍ
ينْأى منها وَتَر
يذوبُ في جيبي

أصابعي تجري تحت الغطاء
في ذل الشَّقاء
في قهر المعابد
في نبش الجحور
في الليل البهيم
في اصطفاف الحُرّاس
حول البنادق
أُجادِلُها
تهيم لتبقى معي
أُقاتلها
في أدمعي
في امتداد الزحام طوال الطريق
تثور
تسير مِنّي
أُعاتِبُني
أدُسُّها في الماء
وتحترِق.

الجلاد


أتحسّس الآن نفسي
ضلعاً من عبقٍ
ومن ترابٍ آخر
يزيدني الجلاد ضلعاً آخر
كم كنت احترفتُ نفسي
حتى أراني احترقتُ
ثوباً من مَرَقٍ
ومن خرابٍ آخر
يشاء الإبريق ما يشاء
يصبُّ صمغاً أو شمعاً
أو شراباً آخر
دامت علينا السماء ما أدمَتْ
رؤوساً لنا
ودام المساء يغني لداء التمني
لنهد امرأةٍ وزُرق الجفون
مرارٌ عيونُ التيمُّمِ نرجو عَطفها
ونظمأ من نظْمِها لنا
ماءً من عرَقٍ
ومن سرابٍ آخر
يزيدني الجلاد فِرقاً آخر
أرنو إليها.. نفسي
أراها
جسداً يرُوحُ ويصدأ آخر

كم من نجومٍ حارت تطولُ قوافٍ لنا
كانت تطوف وتصعد
حتى يومٌ تجُودُ الرُّجومُ علينا أتى
وهجاً من برقٍ
ومن حريقٍ آخر
يزيدني الجلاد وشماً آخر
يا ليتني أدري خلاصي في النجوم يكون
في يد الجلاد أم في جِرار البيوت ؟
يزيدني...
ويغلَق التابوت
أنا الآن في جبينٍ آخر.

الأربعاء، 23 يوليو 2008

ملعقة

أراني أكتب
وأراني جالسٌ أمامي
لا شيء غير صوت الفجر
يصرخ أمامي
أراني أعصرُ دمي
وأعدُّ قطرات دمي
وأضربُ فوق أوتاري بملعقة

دقات عقارب الساعات تقتلني
وأنا
ومركب الصياد الشهيد
نسبح معا في ظلمتِه
يمتصُّني لمحُ الفنارات البعيدة
وأذوب مع غيم الصبح
كلماتي تأخذني وترحل
وفنجان الشاي يرشِفُني
ويمزج تاريخي بملعقة

أصبحت ذاكرتي ثقيلة
ورأسي منجلاً
أصبحت سماعة الهاتف ثقيلة
والأرقام
وشبكة الصياد الشهيد
ثقيلة
تجُرُّ الزمن وترحل
خمسون سنة يأكل البحر
سفينتي
وآكل من البحر
لطماتٍ على وجهي
أمواجاً تضحك على مجداف الزيتون معي
بعدما ماتت الملعقة

ذابت الملعقة في الشاي الساخن
وبعدها...
ذاب جدار الكوب في الشاي
وذاب البحر في الشاي
ودمي في البحر
ثم لفظني بروازاً عتيقاً
فارساً يحمل وساماً
ويُشهِر ملعقة.

وطني


حشيشُ الأرض على صدري
ورملُ الملح بلساني
وطعمُ الريح
أُبادِلُكم سحاباتٍ مُنيتُها
وألعبُ النَّرد بمِكيال
لا الشمس ينبغي لها أن تُدركَ القمر
ولا أنتم بِبالغي وطني
أرضي غيمةُ قطنٍ في البحر
تحملُها الدّرافيل
أرضي كرْزةٌ من ياقوتٍ مُحلَّى
خلف الغسق
أرضي غُرُفاتٌ في السماوات
تملؤُها القناديل
حين يشُدُّ هواءُ الفجر شراعَ الياسمين
يصحو وطني
عندما يدمعُ النرجسُ
ينزف
عندما يشطُرُ القطرةَ جناحُ النّورس
يذوبُ وطني
دمي نبعٌ وشلالٌ ونهرٌ بوطني
وسماءُ وطني وردِيَّة.

أكتبُ دوماً

أكتبُ دوماً
أرى الراحةَ في نهاية السطور
أكتبُ لكي أعرفَ طعمَ النوم بعد النقطة الأخيرة
إنّني أقولُ لكم أو أحدِّثُ نفْسي
بأني أُحبُّ الكلام
وأُغلقُ الأبوابَ خلفي
لأني أخافُ الكلام
هل نزفتُم يوماً من جُرحِ كلمةٍ غادرَتْكم ؟
أو تنفَّستُم صعوداً لهاويةٍ من حروف ؟
كتبتُ يوماً أَني غادرتُ نفسي وصرتُ الإله
كتبتُ يوماً أَني أحببتُها
كتبتُ يوماً أني أكتبُ دوما
وها أنا الآن
ما صرتُ بعدُ حرفاً في كتاب
ولا تشرَّبتني الزِّراعات
أو امتصَّتنْي الأواني
ما علقتُ في كهرمانةٍ
أو تفرَّقتُ في الأزقَّة عباءات
وجمَّعتني الطيورُ من الحقول
هذا مدادي بجانبي
أرثي لحاله ويرثي لحالي
أُفرغُ منه ويُفرغُ مِنّي
ويسمحُ لي باغتصابه أمام العيون
ولا يُبالي
لأجلِهِ أُقدِّم هذي النقوش
وأُهديها
مِن حياتِه لحياته
لموتي من موتي
مِن ذنوب القلم.

مدينة لليراع

وضعتُ نفسي قُربَ نفسي
أطفأتُ أنفاسي
وأشعلتُ الشُّموع
لا شيءَ غيرَ اليراعِ يجولُ في مزرعتي
وأصداءِ الشموع

أعرفُ سِلكَ التَّيارِ هُنا
اقتربتُ مِنه
وتخيَّلتُ أني صفعتُه
تخيَّلتُ انتِفاضَتي
وتخيلتُ الدُّموع

مزرعتي تمشي في الليل
تحمِلُ القناديل
تزحَفُ تحت المدينة
وتستَرِقُ السَّمع
تعُبُّ من بالوعاتِ المدينةِ أزِقَّةً وأغنيات
وتَغيبُ عَنّي
صارت تعبُدُ التاريخَ في أرضِ المَجوس
أخرجتُ مِرآتي يوماً
وخرجْت
أُقيمُ أضلاعي
وأحضُنُ الرُّفات
أراها صَمّاءُ لا تُجادل
مرَّغتُ أنيني بالفُتات
بالأسود
عُدتُ لِمِرآتي
ودخلْت
رأيتُ صَوْتي فِيَّ مِمْسَحَة
فتمَزَّقْت

لم تعدْ مزرَعَتي
ولم أحصُدْ
خمسونَ عاماً آكلُ مِن اليراع
وأرى بِنور اليَراع
وأعرفُ أنَّ مزرعتي تَقْتاتُ من ساحاتِ العالَمِ
أرصِفَةً
وأنَّها مِن فوقِ سُطوحِ العِماراتِ تَجْمَعُ الشّمس
بفَضْلِ اليَراع
لم تعدْ غايَتي الشمس

تلك الشَّمعةُ
عَرَفتُها
تدمَعُ من نارِها
ولا تهتَزّ
ترفَعُ بُرتُقالَتَها الوحيدةَ
لمدنِ الليلِ الظّمأى
ليلِ الصَّيفِ ولا تهتزّ
أُحادِثُها
أُجادِلهُا
نارُكِ خرساءُ لا تُقاتِل
جرَّبتُ قُبلَتَها
لا تهتزّ
صار اليراعُ يستَظِلُّ بِها مِن اليأس

لا أحدَ يُحبُّ اليراعَ غيري
لا أحدَ يركبُ اليراع غيري
لا أحدَ يرى الطاحونَ غيري
أفي كُلِّ نَفَسٍ لا تَهتَزُّ الشّموعُ به أذوي أنا ؟
أفي كلِّ صيفٍ أحرُثُ الأرضَ
أجني دَما ؟
يا دموعَ السماءِ كرِهْتُكِ
وصَدى آهاتي
وبحرَ ظِلِّك
لا أرى سِوى خيطِ دُخانٍ انبَرَى
من حَلَمَةِ مدفَعٍ ضائِعٍ بمزرعتي
ما انفَكَّ يقرُبُ مِن وجهي
ويُغريني

اقتربتُ الآن من سِلكِ التّيار
وصفعتُهُ
وانتشَيْت
رأيتُ انتفاضَتي
ورأيتُ الشّموع
غَرَزوا فِيَّ الأرضَ
وأطفأوني
لا شيءَ غيرَ ضوءِ اليراعِ
في سِياجِ مزرَعَتي
وأصداءِ الشّموع.